الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الحلقة الثامنة: الجدة والابتكار




الحلقة الثامنة: الجدة والابتكار
ما سبق كان جل الحديث منصباً على أصل طريقة البحث عن الموضوع، وهنا سنحاول بإذن الله  التعرُّف على السبل التي تعين على تحديد الموضوع المناسب، وبشكل دقيق ومحدد.
فنقول وبالله التوفيق: اختيار الموضوع العلمي الدقيق إنما يأت بعد طول دراسة وتأمل وتدقيق في مسارات ضيقة يتضح من خلالها بعض المشكلات التي تحتاج إلى حل، وربما تكون بعض الحلول متوهمة، فيستدعي ذلك إعادة النظر في كونها حلا، ومن ثَم يتم استئناف فرض الحلول مجدداً.
الموضوع المناسب هو الذي يشتمل على الأمور التالية:
1-            أن يشتمل على إضافة علميه، وهذا سبق تناوله بإسهاب.
2-            أن يكون فيه شيء من الجدة والابتكار:
فلا يكون مكرورا ولا رتيبا على غرار الأبحاث التقليدية، فالمسألة الفقهية إذا وقع بين أهل العلم نزاع في حكمها ، فإنه لا جديد إذا عمل الباحث على إعادة حكايتها، لكن تظهر الجدة لو استطاع أن يبين محل المسألة المفترض في بناء المدرسة العلمية، أو أن يعيد المسألة إلى أصول الفريقين، أو أنه استطاع أن ينتزع أسباب الخلاف بين الفريقين، أو أن يستنبط قواسم مشتركة بين الفريقين في تناول المسألة، أو أن يحقق قدرا من الاتفاق في زاوية من زوايا المسألة ثم يحاكم بقية أطرافها على وفقها، أو أن يعيد كيل المسألة بمعايير إضافية، فقد لا يكون مأخذ الافتراق في المسألة مرتباً على صحة الأثر لأن الفريق الآخر يديم قوله حتى على فرض عدم ثبوت الأثر، وإذا كانت المسألة محكية في الخلاف عن طريق الأقوال في المسألة، فمن الممكن أن يعيد صياغتها بحسب المذهب كل مذهب على حدة، اتفقوا أو اختلفوا، أو أن يعيد صياغتها بحسب الدليل كأن يجعل القول الأول المتمسك بالأصل، والثاني المتمسك بالناقل، والثالث المستصحب للإجماع.
أو أن يعود على الأقوال المحكية في المسألة باتجاهات تقاطعية كأن يبين الاتجاهات التي تسير فيها أصول الفريقين مقارنة باتجاهات هذه المسألة المعينة.
ثم يسير بهذه المسألة بمسارات أفقية بذكر النظائر والأشباه، ثم يدلي من هذه المسارات العرضية الأساسية: بعض المسارات العمودية القصيرة التي تعود إلى الاستثناء ومخالفة القاعدة، ويبين مقدار صحة هذه الاستثناءات  في عدم خرق القاعدة الأصلية.
ومن جملة المناطق الإبداعية في البحث العصري: أن ينسج الباحث لحمة من المستجدات المعاصرة ضمن سدتها في الأصول الشرعية والقواعد الفقهية.
فإن هذه الطرق وأشباهها تفتح للباحث آفاقا جديدة، وتستخرج من بين أسنة أقلامه معانٍ بديعة، فتتحرك مياه كانت راكدة، وتثور أسئلة كانت جامدة.
وقد لا نحتاج اليوم إلى الموضوعات الجديدة بقدر حاجتنا إلى الدقة والعمق والتحليل وإعادة القراءة ومحاولة الخروج بنتائج بينة واضحة.
يقول الدكتور يحيى الجبوري:
الجدة: أن يكون البحث جديدا كله أو بعضه فيه ابتكار، ويدلل على وجهة نظر، ويحسن ألا يكون مطروقا مكررا، وأن يكون رفيع الغاية، يضيف إلى المعرفة فائدة بعيدا عن الموضوعات المبتذلة التي تلتمس من الجوانب السلبية والشاذة الهدامة في الحياة، إن تناول الموضوعات الإنسانية المفيدة البناءة التي تستحق بذل الجهد والتعب والصبر والعناء يكون لها ثمارها وأثرها فيما بعد في الدراسات التالية وفي آثار الآخرين.
وقد يكون الموضوع قديما جديدا أي أن يكون قد بحث من قبل وأن يتصدى له باحث فيتناوله تناولا جديدا ، يأتي بنتائج جديدة، أو يضيف أفكارا، ويكتشف حقائق لم يسبق إليها، وطرق الموضوعات القديمة المبحوثة إذا أريد الوصول إلى حقائق جديدة أكثر صعوبة من ارتياد الموضوعات الجديدة([1]).


([1]) منهج البحث وتحقيق النصوص  ص30.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق