الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الحلقة الأولى: استهلال هزلي في رحلة الباحث التائه!



سلسلة: دلوني على عنواني


 
الحلقة الأولى
استهلال هزلي في رحلة الباحث التائه!


يحزم الباحث حقائبه، ويتجه نحو المجهول، لاستكشاف العالم، ويستعيد ذكريات ماجلان، وسفينة اكتشاف الأرض من البحر!
ثم لا يلبث إلا هنيهة حتى يفقد نفسه داخل غيومٍ متلبدة في بدء هذه الرحلة المكوكية، فما هو يا ترى، عنوان هذه الرحلة؟ وأي موضوع يصلح أن يكون مادة دسمة لرسالته!
      فتتناوبه أنواع من الهموم والغموم، وأقول: إلى حد الكآبة، وتصطبغ على جبينه المعقد ألوان الأرق والأسف مستوعبة أطيافها السبعة.
همٌ وغمٌ في معرفة السبيل إليها، والوصول فالوصال بها، وإلا فنكدٌ، وكل شيء في الدنيا إلا النكد.
وأرقٌ مِن الفشل والخيبة، وخوف التورط بما لا تحمد عقباه، فأسفٌ وندم، ثم لا طائرة ولا قدم!
وما إن يبلغ صاحبَنا خبرُ تتويجه طالبًا في سدة الدراسات العليا إلا وبيَّتت مع هذه الأفراح أتراح، فتبيت مبيت الشتاء، ويا ليل الشتاء ما أطولك!
يسأل الطالب أستاذه في أول محاضرة:
فضيلة الدكتور: ليتك تقترح علينا بعض الموضوعات التي تستحق البحث والدارسة؟
الدكتور: في الحقيقة الموضوعات كثيرة.
الطالب بأحرف متسارعة: هلا ذكرت بعضها؟
الدكتور: في الحقيقة  تحتاج إلى بحث ودراسة!!
الطالب بعد أن أصيب بخيبة أمل: حسنا يا دكتور، هل هناك بحث أو دراسة قصدت هذا الموضوع؟
الدكتور: هذا دوركم أنتم!!
الطالب: إن شاء الله!!
إيه يا دكتور، ماذا صنعت! وأي شيء فعلت!
لا أظرف منك اليوم إلا طالبك الحائر الذي سيكتب بحثا يفيد فيه الباحثين عن موضوعات رسائلهم المبتكرة!
ولكن : فعلا، هذا موضوع يستحق الدراسة! ويصلح أن يكون رسالة علمية!
لكن بشرطين:
الشرط الأول: ألا يكون هذا الطالب هو صاحبها.
الشرط الثاني: ألا يكون ذاك الدكتور هو مشرفها.
------
الطالب بعد أن بلغ به اليأس من أستاذه، استنجد بزميله!

يقول زميله: أي، لكع! اقترح عليَّ موضوعا أتقدم به؟
الزميل: نعم، هناك عدة موضوعات مهمة.
الطالب بلهف: ما هي؟
الزميل: للأسف، لا تزال في طي الكتمان!
الطالب بتشنج وعصبية:
يا هذا! ما هذا؟  لقد قلت لي: إن لديك موضوعات، وليس موضوعا واحدا، لك أن تكتمها كلها من أولها إلى آخرها! لكن اعطني واحدا منها!
الزميل: أخاف أن يتسرب الموضوع، والقصص عليك لا تخفى.
الطالب: هات الموضوع الذي يخصني، ولا عليك لو تسرب فإنه لن يضرك شيء.
الزميل: لكن في الحقيقة... كل الذي عندي موضوعان اثنان: واحد سأقدمه، والآخر احتياط، وأنا في خوف وقلق ألا يقبل الموضوعان فأذهب إلى حيص بيص، وحينها سأتقاسم معك تقاسيم ملامح وجهك البادية الآن، ولكن بالمناسبة، ما رأيك؟ أن تكون علي دراسة التقاسيم، وعليك تطبيق التجاعيد!!
الطالب: دعك من الفلسفة، ولا تكررها يا أبا الموضوعات اللاتي في بئر الكتمان!
الزميل: أصلاً، أنا ضد الفلسفة! 

هذه مقدمة هزلية أحببت أن أصوِّر فيها حجم المعاناة التي يلاقيها الباحثون في العثور على العنوان المناسب لموضوعاتهم، والتي سيبذلون تجاهها قطعة معدودة من أعمارهم، فلا يجد هذا الباحث المسكين المغلوب على أمره: في الجامعة (مركز المعرفة) فكرة لبحثه، ولا يجد مشروعا يلقي نفسه فيه، ولا يفزع له المدرس في إخراجه من مأزقه، بل قد يقول له: إن الفقه مقتول بحثا، فيكبه على وجهه متخبطا، قد قتل طموحه، وزرع له الشيب في مهد أيامه.
ثم يستمر الباحث في رحلة الضياع، فيذهب وقته سدى بين رفض الموضوعات التي يقدمها، الواحدة تلو الأخرى، حتى ينتهي به الأمر إلى تقديم موضوعات خبط عشواء لا فائدة منها ولا أمل، لعل وعسى! حتى يقبل في الأخير أحدها حياء منه، وشفقة عليه، فتتحطم أحلامه حول هذا الشيء الذي سيقترن به! ويبقى غصة وألما طول حياته، وهذا باعترافات الباحثين أنفسهم، أن زهرة العمرة ذبلت في بحث لا يحبونه، ولا يرجون وراءه علما أو إضافة، وإنما اضطروا إليه في لحظة يأس وهروب.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق