الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

صناعة التصنيف


صناعة التصنيف



لكل كتاب: أسلوبه الاحترافي التصنيف، فالتصنيف صناعة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولذا تجد جماعة من العلماء المكثرين في التصنيف لديهم من الذوق والاحترافية في طريقة صناعة الكتاب من عنوانه إلى منتهاه ما لا تجده عند غيرهم.

فالتصنيف: فن يحتاج إلى دربة ومران وتمرس وكثرة قراءة وتنوع في المهارات .

وليس التصنيف: مجرد عبارات أدبية بليغة، أو تقريرات علمية محكمة، أو ردود قاضية صاعقة حاسمة، أو قالوا وقلنا، أو جمع مجموعة من المقالات، ورص قوائم من التغريدات.

وقد ازدهر سوق الكتاب: في هذا العصر بسبب ما تتطلبه الدراسات الأكاديمية، إضافة إلى سهولة النشر واتساع نطاقه.

إلا أن عدم ضبط أصوله، وعدم التمرس على فنونه، أوجد خللا جوهريا في صلب العملية التصنيفية.

وكان من المحزن: أن تجد بعض أهل العلم الذين لهم من العناية بالعلم ومذاكرته، وكثرة القراءة الشيء العظيم، ومنهم من له مواقف مشهودة في نصرة الحق وأهله، لكن تجدهم إذا تصدوا للتصنيف تتفاجأ بأنهم لم يحسنوا كتابة مقدمة الكتاب على الوجه اللائق بها، ولم يراعوا المتطلبات الضرورية لصورة الكتاب، وأهملوا الخطوات الضرورية في ترتيب مباحثه، وربما ضخموا مبحثا من حقه أن يكون إشارة في الهامش، وصغروا مشكلة البحث، فلا يكاد يبصرها أحد، وشتتوا حلوله، بطريقة لا يمكن معها استجماع الإضافة المرجوة من الكتاب.

وما أكثر مقدمات الكتب التي صارت نتائجه! فهذا ومثله ليس بحثا علميا موضوعيا، وإنما معركة حامية الوطيس محسومة من أولها.

كما شاع بين المعاصرين التطويل في التصنيف من غير طائل، لأسباب، منها حل المشكلات الشخصية التي تعترضهم أثناء معالجة المسائل، بسبب ضيق عطنهم في العلم، فيضطر إلى تسويد الأوراق، فيُتخم الكتاب بأورامه، ويتورط القراء بحمل أوزان ثقيلة، وقراءة فصول طويلة، لم تكن كذلك لولا أن المؤلف المبتكر حاس فيها واعتاص!


وغالب ذلك: سببه التكوين العلمي للمتصدين للتصنيف، فعمرهم الزمني في تحصيل العلم ونشره لم يكن في التصنيف، ولم يأخذوا حظهم اللازم من الدربة والمران عليه.


وكم رأينا من خيار طلبة العلم: الذين أمضوا أعمارهم في الدرس المتني وشروحه وحواشيه، وحازوا الغاية في ذلك جدية وإتقانا، ولم تم تمض ساعة في دراساتهم الأكاديهم حتى أنكروا أنفسهم، ورأوا أنهم في ورطة العمر، ومنهم من يستحي من عرض كتابته الورقية، ويكثر المعاذير بأشغاله ودروسه، ومنهم من صُدِم بأخطائه في كتابة الهمزات والأخطاء الإملائية، وربما لم يعرفوا مواضع الترقيم على وجهها الصحيح.


كان من الواجب لمن أراد خوض غمار التصنيف
: أن يقدر للأمر قدره، فإن التصنيف يستهلك عمر الحياة، فقد يستغرق كتاب واحد 30% من عمرك البحثي، فلا بد من مباشرة التأسيس المبكر للبحث، ولو أحيانا عن طريق بحث المسألة الصغيرة التي تشكل، وقفل مباحثها في عدة ورقات، حتى يتشرَّب دمٌه بماء البحث، ويعتاد عليه.

وإلا فإنه لا يجب أن يكون كل شيخ مصنفا، ولا كل مؤلف يجب أن يكون محاضرا ،ولا كل عالم يجب أن يكون مفتيا، لكل فارس ميدان يحسن الضرب فيه، والشأن أن يكون فاعلا في ميدانه.

ومن هنا: فقد وجدنا كثرة الثناء على الكتاب بسبب اسم مؤلفه، أو موقفه الدعوي، أو بسبب موضوع الكتاب، أو بسبب شناعة قول المردود عليه، وقد يكون هذا الكتاب خارجا عن أبجديات التصنيف وأصوله، فإن تصديت لنقده فأنت في دائرة الاتهام.

وأخيرا:

فقبل أن تقل: أين القراء العرب؟

قل: أين هم المؤلفون أصلا ؟ !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق