الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الحلقة السابعة: مشكلة المشاكل (التصنيف وظيفة كبرى فكيف يتصدى له باحثون مبتئدون)؟



الحلقة السابعة: مشكلة المشاكل (التصنيف وظيفة كبرى فكيف يتصدى له باحثون مبتئدون)؟

قد يستشير الباحثُ أستاذه أو غيره عن جدوى بعض الموضوعات لكن تكمن المشكلة الكبرى أن كثيراً من الطلبة ليسوا في مستوى الوقوف على المشكلة فضلا عن حلها .
ولتجاوز هذه الإشكالية، يمكن أن يقال:
هناك منطقتان:
المنطقة الأولى: داخل الدوائر الجامعية، وبالأخص مجالس الأقسام، فهؤلاء على عاتقهم إقامة خطط تفصيلية لمشاريع علمية ناهضة، يحدد الباحثون فيها من خلال معايير الكفاءة أو التأهيل.
ولا بأس بإقامة دورات مكثفة ولو كانت بمقابل لتأهيل الطالب للقيام بهذه المهمة.
لنفترض أن المشروع المزمع إقامته هو في مسائل المعاملات المعاصرة، والطلاب على فئتين:
1.    فئة جاهزة علميا: فهؤلاء يدرجون مباشرة في البحث ضمن هذا المشروع.
2.    فئة غير جاهزة، وهؤلاء على قسمين:
فئة يمكن تجهيزها: فهؤلاء يجهزون من خلال الدورات التي سبق الإشارة إليها.
فئة يصعب تجهيزها في الفترات القريبة المحددة: فهؤلاء يتم تأهيلهم من خلال إدراجهم في برامج جماعية يكون فيها البحث غير مختص، ثم يطلب منهم في نهاية البرنامج كتابة أبحاث تكميلية تؤكد استفادتهم من هذه البرامج، أما قضية الإضافة والإبداع والابتكار، فلا مجال لأن نسرح في الخيال، أو أن نتطلب المستحيل، فإن أجمل ما يمكن عمله في هذه الشريحة من الباحثين هو تأهيلهم تأهيلا جزئيا يمكنهم من تغذية علمية مناسبة، يكون بمقدورهم من خلالها تقديم بعض الأبحاث المحددة التي تكون تحت المراقبة والاختبار.
وهؤلاء يمثلون شريحة واسعة من طلاب الأطاريح، فلا داعي لتكليفهم ما لا يطاق، وتحميلهم ما لا يحتمل، بل يدرجون في مناطق عمل هي أصلح لهم، وأبعد أن يكونوا عبئا على مجتمعاتهم العلمية من اختلاق مشاكل علمية، أو إفساد عناوين بحثية، وما إلى ذلك.
المنطقة الثانية: دائرة الباحث القريبة من أساتذته وشيوخه ونحوهم، فهاهنا سبيلان:
السبيل الأول: أن يُحدد للباحث المشكلة بشكل محدد وبعناصر مفصلة، ويفضل أن يتأنى في كتابة الخطة، وأن يكون ذلك بمساعدة أساتذته وزملائه.
السبيل الثاني: أن يحدد الباحثُ المجالَ الذي يريد البحث فيه، فيشتغل بالقراءة فيه فترة زمانية تسمح له أن يكون ملما بهذا المجال، ويمكنه بعده أن يقف على ما يمكن له أن يضيف في هذا الباب.
فمثلا كثير من الباحثين: تجده حريصا أن يكون بحثه في المعاملات المعاصرة، والمفترض في مثل هذا أن يكون قد فرغ من قراءة القواعد الأساسية لهذا الباب، وأن يكون عارفا بتفاصيل الفروع الفقهية فيه.
فإن لم يكن كذلك: فلا بد من جدولة نفسه في برامج مكثفة في درس هذا العلم، ومعرفة حدوده ومعالمه، وهو في خلال درسه سيقف على الكثير من الإشكالات، وستبدو عنده جملة من السؤالات لا حل لها سوى البحث والدراسة، وهو المقصود.
يقول الدكتور يحيى الجبوري:
النظر في الدراسات الناضجة وكثرة القراءة في بحوث الباحثين، وملاحظة ما فيها من إشارات في الهوامش وما تحويه فهارس المصادر والمراجع، وقراءة المصادر القديمة، كل ذلك يوحي بموضوعات جديدة، أو يذكر بأفكار تصلح أن تكون موضوعا، المهم أن يحدد الطالب العصر الذي يريد أن يدرس فيه فيكثر القراءة فيه، ويتعرف على تاريخه وفنونه وتياراته وأعلامه([1]).
فلو أراد مثلا: أن يكتب بحثا يتعلق بالمدرسة الظاهرية فإنه من المتعين عليه قراءة كتب ابن حزم والأبحاث الخاصة المتعلقة بمدرسته، والمعتنين بشخصيته، فإنه إذا أطال المقام في رحابها فسيخرج بجملة حسنة من الموضوعات الجيدة.
بل يمكنه بعد ذلك إذا أفاد وأجاد وتعمق واستغرق: أن يقود فريقا كاملا من الباحثين في مضمار المدرسة الظاهرية.
وقل مثل ذلك في موضوع يتعلق بالغزالي أو الجويني أو ابن تيمية أو الشاطبي.
هذا فيما يتعلق بالموضوعات التي تبحث في إ طار شخصية علمية.
وهكذا يقال: فيما إذا أرد أن يكتب شيئا في علم المعاني والمقاصد فما عليه إلا أن يلج هذه المدرسة من بابها سواء كان من منافذها القديمة المألوفة أو ما كتبه المعاصرون المتخصصون في هذا الشأن.
لعل قائلا يقول:
لقد كبرت الموضوع ، وزدت من الصعوبة، وبالغت في التصوير!
وأقول:
نعم، وهو كذلك، فالكلام في التصنيف، وهو شأن الكبار، فكيف يتم تذليله لمن كان دون مرتبة التلميذ!!
أقصى الحيلة هي سلوك أمثل الحلول فيما هو متاح.
وكون الحل معقدا سببه أن المسألة معقدة في جذرها، فلا مناص من العقدة لكن أن نمشي في حلها الممكن خير من أن نفاقم عقدها.
فالمشكلة باختصار: طلب بحث إبداعي في التصنيف من غير المؤهلين.
وما سبق وما سيأتي هو محاولة للتخفيف من حدة نتائج المعادلة، وذلك من خلال طريقين:
الطريق الأول: تخفيف الطلب الإبداعي لأن القائم به غير مؤصل فضلا أن يكون مبدعاً، وذلك بإدراجهم في مشاريع جاهزة ومحددة.
الطريق الثاني: تأهيل الباحثين بما يمكنهم من تقديم الحد الأدنى من الإبداع.


([1]) منهج البحث وتحقيق النصوص ص28.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق