الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الحلقة الثالثة: المعيارفي الإضافة العلمية



الحلقة الثالثة: المعيارفي الإضافة العلمية
إذا تبين ما تقدم من أهمية التصنيف، وأن الأمر لا يقتصر على المتقدمين، بل هو مشرَعٌ لكل الباحثين عن الحقيقة، بلا حجاب زمان ولا مكان، بشرط أن يكون ذاك فيما يحسنه المرء، فإننا نشرع الآن بحول الله وقوته في الدخول في  صلب الموضوع بالقول:
إذا كان قيمة كل امرئ ما يحسن فإن قيمة كل بحث هو ما فيه من الإضافة العلمية، وإلا كان الجهد المبذول فيه مكرورا، والزمن الذي استغرق فيه مأسوفا.
وقد نقل جمال الدين القاسمي عن أبي حيان قوله:
"ينبغي أن لا يخلو تصنيف من أحد المعاني الثمانية التي تصنِّف لها العلماء، وهي:
1-  اختراع معدوم.
2-  أو جمع مفترق.
3-  أو تكميل ناقص.
4-  أو تفصيل مجمل.
5-  أو تهذيب مطول.
6-  أو ترتيب مخلط.
7-  أو تعيين مبهم.
8-  أو تبيين خطأ.
قال جمال الدين القاسمي: كذا عدها أبو حيان، ويمكن الزيادة فيها([1]).
قلت:
لذا، فمن المفترض بالأصالة أن يقدِّم الطالبُ أو الباحث في مستهل رسالته الأسبابَ المنطقية والعلمية لكتابة رسالته، وما هي الإضافة المحددة التي سيقدمها في بحثه، وأين موقعها مِن البحوث التي سبقته، وهل هي ابتكار من عند نفسه فهو أبو عذرها، أو أنها تحمل في رحمها جديدا في الاستدراك أو التتميم أو الشرح أو الترتيب أو غير ذلك.
هذه الأسئلة من الأهمية بمكان، وهي  تحدد بشكل مجمل، وبتقدير أولي محل هذا البحث في ضمن التراكم العلمي الهائل في بناء المدارس العلمية بشتى طرقها، وتعيد له شيئا من الترتيب والتوازن اللذين كادا أن يفقدا اليوم لولا بقية مِن المخلصين والمبدعين.
للأسف؛ إن المجامع العلمية والهيئات الشرعية على غزارة إنتاجها وإحكام مادتها إلا أنها إلى الساعة لم تستطع أن تقوم بالدور الذي قامت به المدراس الفقهية قرونا متطاولة وفي بلاد شاسعة ممتدة، كل ذلك في بناء منتظم متسق.
كما أنه يطلب من الباحث استعراض الجهود السابقة إن كان قد سُبِقَ إلى موضوعه بشكل أو آخر -  فيبرهن من خلالها على أنها في مجموعها لا توصد الباب أمام البحث المقترح، وأن الدراسة المقترحة ستضيف شيئا إلى الموضوع ([2]).
               وإذا كان الباحث قد كتب في بداية بحثه ما يدَّعيه من الجدة والإضافة العلمية التي يحملها بحثه، فمن المفترض أن يسجل في نهايته ما استنتجه واستخلصه من النتائج والتوصيات، بل والملاحظات.
أما إذا لم يجد الباحثُ من الإضافات والنتائج ما يسجله في نهاية بحثه فهو بذلك يعلن أمام الملأ عدم جدة موضوعه وعدم أهميته، وأن قلمه ما انحبس عن تسجيل أي إضافة علميه إلا إعلاناً لفشله، ولن يشفع له ما أعطي من عالي  الأوسمة، وثمين النياشين، أو التوصية بالطبع أو حتى بالختم والتخليد والتحنيط في متحف التاريخ.
إن الله سبحانه سيحاسب كل أحد عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، فالزمن الذي يستغرقه الباحث في كتابة موضوعه لهو محاسب عليه، وإن الجهد الذي بذله في معالجة بحثه لهو مسؤول عنه.
وإن أمته لتسأل هذا عن طاقةٍ بدَّدها كانت هي أحوج ما تكون إليها، ولات ساعة مندم، فإن عقارب الساعة لا تعود، والتوبة لا تعيد الماضي، وتصحيح المستقبل لا يغير من خطأ الفائت شيئا؛ إنما هي أيام تذهب ولا تعود.
إن البحث في علوم الشريعة ليس تخرصاً أو بناء تجريبيا في سبيل تحقيق غرض دنيوي أو متاع حاجي أو ترفٍ معيشي، إنما هو استجابة لله ولرسوله إذ دعانا لما يحيينا، فإذا لم يكن البحث الذي يقدمه الإنسان من الإيمان والعمل الصالح لهو في خسار ، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: { بسم الله الرحمن الرحيم. وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }


([1])  قواعد التحديث ص38.
([2]) قواعد أساسية في البحث العلمي للدكتور سعيد إسماعيل الصيني ص166

هناك تعليق واحد: